سلسلة في صفات الله عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذه سلسلة في صفات المولى سبحانه وتعالى ، وسبق معنا سلسلة في القواعد المتعلقة بباب الأسماء والصفات وأما هذه السلسلة فتتكلم عن معاني الصفات وأدلتها على ضوء الكتاب والسنة وأثرها في حياة الإنسان.
والهدف من دراسة هذه السلسلة معرفة معاني صفاته سبحانه وأثر ذلك في حياتنا حتى نزداد إيمانا بمعرفة الله سبحانه وتعالى فلا يخفى عليكم مما يعتقده أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم أن لصفات الله معان معلومة وقد تخفى على البعض لقلة إدراكهم ومعرفتهم وهي ليست كلمات لا معاني لها ولا تعرف ماهي حالها كحال حروف الهجاء بل معرفته سبحانه أعظم المطالب وأجلها.
نبدأ بالصفة الأولى لدينا ألا وهي:
صفة الأوَّلِيَّةُ
وهي صفة ذاتية لله عز وجل ، ودليله قوله تعالى: { هو الأول والآخر }
وفي الحديث: [ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ] رواه مسلم
فَالْأَوَّلُ وَالْآخِرُ: بَيَانٌ لِإِحَاطَتِهِ الزَّمَانِيَّةِ.
فَاسْمُهُ الْأَوَّلُ: دالٌّ عَلَى قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ.
وَاسْمُهُ الْآخِرُ: دالٌّ عَلَى بقائِهِ وأبديَّتِه.
فهي تفيد إحاطة الله سبحانه وتعالى بكل شيء أولاً وآخراً
وفسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: “الذي ليس قبله شيء”
وهنا فسر الإثبات بالنفي فجعل هذه الصفة الثبوتية صفة سلبية، وقد ذكرنا فيما سبق أن الصفات الثبوتية أكمل وأكثر، فلماذا؟
فنقول: فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لتوكيد الأولية، يعني أنها مطلقة، أولية ليست أولية إضافية، فيقال: هذا أول باعتبار ما بعده وفيه شيء آخر قبله، فصار تفسيرها بأمر سلبي أدل على العموم باعتبار التقدم الزمني.
ومذهب أهل الحديث والأثر وأهل السنة أنّ الرب – عز وجل – أَوَّلٌ بصفاته، يعني هو أوَّلٌ سبحانه وتعالى بصفاته.
(أول) بمعنى لم يزل بذاته ولم يزل بأسمائه ولم يزل بصفاته ، فهو سبحانه (أول) في ذاته فليس قبل ذاته شيء ، وهو (أول) جل وعلا بصفاته وبأسمائه جل وعلا وبأفعاله ، فإن أسماء الله تبارك وتعالى ، وإن صفات الله جل وعلا لم يكتسبها جل وعلا اكتسابا بعد حصول الخلق،كما هو الحال في المخلوقين.
وأنّه سبحانه يجوز أن يكون خَلَقَ أنواعاً من المخلوقات وأنواعاً من العوالم غير هذا العالم الذي نراه.
فجنس مخلوقات الله – عز وجل – أعمّ من أن تكون هذه المخلوقات الموجودة الآن لكن ليس عندنا من العلم ما نجزم به ولكن الله قادر سبحانه أن يخلق ويفعل ما يشاء في أي زمن.
قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فلا يقال أنه كان ممتنعا عليه صفة من صفاته ثم صارت جائزة في حقه.
* فإذا قال قائل: هل هذه الأسماء متلازمة، بمعنى أنك إذا قلت: الأول، فلابد أن تقول: الآخر، أو: يجوز فصل بعضها عن بعض؟!
فالظاهر أن المتقابل منها متلازم، فإذا قلت: الأول، فقل: الآخر، وإذا قلت: الظاهر، فقل: الباطن، لئلا تفوت صفة المقابلة الدالة على الإحاطة
التعبد بأوليته سبحانه وتعالى.
وذلك يكون بأمور منها:
1- ندعوه سبحانه باسمه الأول كما في الحديث دعاء المسألة كما في الحديث : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شيء وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ )
2- الرد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم فنثبت ونعتقد ونتيقن أن الله هو الأول والآخر وكل المخلوقات مسبوقة بعدم.
3- التعبد لله بصفة الأولية، يقلل من داء العجب في القلب؛ لأن العبد إذا تدبر أن الله هو الأول، وهو الذي ابتدأ خلقه وأنعم عليه، وهو الذي علمه وأطعمه وسقاه، وهو الذي أوجده في هذه الدنيا على الإسلام، فإذا تدبر ذلك علم أولاً: أن العلم الذي هو فيه لم يأت من عنده نفسه، وإنما هو من عند الله، فلا يقول كما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] بل سيقول: إن الله هو الذي علمني بعد أن كنت جاهلاً يقول الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53] أي: ليس للعبد فيها شأن فالله هو الذي رزق هذا الإنسان العلم والقوة والمال، وهداه إلى الإسلام، فإذا تدبر العبد ذلك فلا يمكن أن يحتقر أحداً، أو يصل إلى قلبه داء العجب.
4- ويقتضي الإيمان بأوليته إفراده وحده بالذل والالتجاء وعدم الالتفات إلى غيره أو التوكل على سواه ويقتضي التجرد من التعلق بالأسباب والالتفات إليها إلى التعلق بمن منه الإمداد ومنه الإعداد.
[ صفة الأولية والرد على الفلاسفة ] وفي هذا رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم
فهم يجعلون مع الله سبحانه وتعالى من مخلوقاته من هو قرين له في الأولية، فيشرك في هذه الصفة، يقولون بقدم العالم، فإنهم يقولون: إن الإله علة موجبة تقتضي معلوله، فلما كان الإله لا أول له ولا بداية، وهو علة موجبة تقتضي معلولها، كان معلولها أيضاً لا بداية له، فاعتقدوا أن هذا الخلق قديم أزلي أول، كما أن الله عز وجل هو الأول ولهذا كفرهم السلف رضوان الله عليهم.