1193 فتح الأحد  الصمد شرح  الصحيح المسند

1193 فتح الأحد  الصمد شرح  الصحيح المسند

مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي

بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة

بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي

(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ،  نسأل الله أن تكون في ميزان  حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير  آل نهيان  صاحب الأيادي البيضاء  رحمه الله  ورفع درجته في عليين   ووالديهم  ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )

——-‘——-‘——–‘

——-‘——-‘——–‘

——-‘——-‘——–‘

قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند  (ج2/ رقم 1193):

١١٩٣ – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج ٤ ص ٦٣٥): حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك، قال: سمعت علقمة بن وائل، يحدث عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقطعه أرضًا بحضرموت.

قال محمود وحدثنا النضر عن شعبة وزاد فيه: وبعث معه معاوية ليقطعها إياه.

هذا حديث حسن صحيح.

قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.

وقال أبو داود رحمه الله (ج ٨ ص ٣١٠): حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقطعه أرضًا بحضرموت.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا جامع بن مطر عن علقمة بن وائل بإسناده مثله.

هذا حديث صحيحٌ.

===================

الحديث سيكون من وجوه:

ذكر الحديث الإمام أبوداود رحمه الله في السنن، ١٩ – كِتاب: الخَراجِ والإمارَةِ والفَيْءِ، بابٌ: فِي إقْطاعِ الأرَضِينَ، (٣٠٥٨).

والإمام الترمذي رحمه الله في السنن، ١٣ – أبْوابُ الأحْكامِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بابُ: ما جاءَ فِي القَطائِعِ، (١٣٨١).

والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:

21-كتاب: الأموال، ٤٧ – اقتناء الأرض للزراعة، (3031).

قال محققو سنن أبي داود:

حديث صحيح. إسناده حسن من أجل سماك – وهو ابن حرب -؛ فهو صدوق حسن الحديث. وعلقمة بن وائل – وهو ابن حُجْر – قد سمع من أبيه، صرح بسماعه منه في «صحيح مسلم» (١٦٨٠).

وأخرجه الترمذي (١٤٣٧) من طريق شعبة بن الحجاج، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن صحيح.

وهو في «مسند أحمد» (٢٧٢٣٩)، و«صحيح ابن حبان» (٧٢٠٥)، لكنهما لم يقولا في روايتهما: بحضرموت.

وحضرموت: بلد جنوبي شبه الجزيرة العربية على خليج عدن وبحر عمان. وانظر ما بعده.

الإقطاع: هو إعطاء الإمام طائفة من أرض الموات مفرزة وهو يكون تمليكًا وغير تمليك.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في «الأموال» بعد إيراده عددًا من أحاديث الإقطاع: ولهذه الأحاديث التي جاءت في الإقطاع وجوه مختلفة، إلا أن حديث النبي – ﷺ – الذي ذكرناه في عاديّ الأرض هو عندي مفسّر لما يصلح فيه الإقطاع من الأرضين، ولما لا يصلح، والعاديّ كل أرض كان لها ساكن في آباد الدهر، فانقرضوا فلم يبق منهم أنيس، فصار حكمها إلى الإمام.

وكذلك كل أرض موات لم يُحيها أحدٌ، ولم يملكها مسلم ولا معاهد، وإياها أراد عمر بكتابه إلى أبي موسى: إن لم تكن أرض جزية، ولا أرضًا يُجرّ إليها ماء جزية، فأقطعها إياه، فقد بين أن الإقطاع ليس يكون إلا فيما ليس له مالك، فإذا كانت الأرض كذلك فأمرها إلى الامام. ولهذا قال عمر: لنا رقاب الأرض”. انتهى.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتاب البيوع، بابُ إحْياءِ المَواتِ والشِّرْبِ، (٢٩٩٩).

الأول: شرح الحديث

أورد أبو داود هذه الترجمة (باب: في إقطاع الأرضين) يعني: إعطاء الإمام بعض رعيته قطعة من الأرض يقطعها إياه، وهذا يسمى إقطاع الأرض، وهو خاص بالأرضين، ولا يكون في الأشياء المنقولة، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على وقوعه من رسول الله ﷺ.

و(عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ (عَنْ أبِيهِ) قالَ المُؤَلِّفُ: هُوَ وائِلُ بْنُ حُجْرٍ بِضَمِّ الحاءِ المُهْمَلَةِ وسُكُونِ الجِيمِ وبِالرّاءِ الحَضْرَمِيُّ كانَ قَيْلًا مِن أقْيالِ حَضْرَمَوْتَ وكانَ أبُوهُ مِن مُلُوكِهِمْ، وفَدَ عَلى النَّبِيِّ – ﷺ -.

وهُوَ بَقِيَّةُ أبْناءِ المُلُوكِ، فَلَمّا دَخَلَ على النبي صلى الله عليه وسلم رَحَّبَ بِهِ وأدْناهُ مِن نَفْسِهِ وبَسَطَ لَهُ رِداءَهُ فَأجْلَسَهُ، واسْتَعْمَلَهُ عَلى الأقْيالِ مِن حَضْرَمَوْتَ، رَواهُ عَنْهُ ابْناهُ عَلْقَمَةُ وعَبْدُ الجَبّارِ وغَيْرُهُما.

أورد أبو داود حديث وائل بن حجر قال: ((أقطعني رسول الله ﷺ أرضًا بحضرموت))

قالَ الجَوْهَرِي: اسْم بَلْدَة وقبيلة أيْضا.

قالَ المُنْذِرِيّ: وهَذا مُخالف مَن قالَ فِيهِ: مخلاف؛ فَإن المخلاف كالرستاق والكَوْرة، اسْم لعدّة بِلاد، وأمّا القَبِيلَة: فَهِيَ حمير، وحضرموت بن قيس قالَ ويُشبه أن تكون القَبِيلَة نزلت هَذا الموضع؛ فَسُمِّي الموضع بها، وله نَظائِر.

وسكان حضرموت يقال لهم: الحضارمة، والواحد حضرمي.

(قالَ) أيْ: وائِلٌ (فَأرْسَلَ) أيِ: النَّبِيُّ – ﷺ – (وبعث معه معاوية ليقطعها إياه) أيْ: وائِلًا، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِن مُعاوِيَةَ هُوَ ابْنُ الحَكَمِ السُّلَمِيُّ أوِ ابْنُ جاهِمَةَ السُّلَمِيُّ، وأمّا مُعاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيانَ فَهُوَ وأبُوهُ مِن مُسْلِمَةِ الفَتْحِ ثُمَّ مِنَ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلى ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فَهُوَ غَيْرُ مُلائِمٍ لِلْمَرامِ، وإنْ كانَ مُطْلَقُ هَذا الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي كُلِّ مَقامٍ.

[انظر: شرح سنن أبي داود للعباد، فتح الودود في شرح سنن أبي داود للسندي، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الموسوعة الكويتية: حرف الألف، إحْياءُ المَواتِ].

وسيأتي في المسألة الأولى أنه معاوية بن أبي سفيان وليس معاوية بن الحكم

الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): الأحاديث

– حَدَّثَنا حَجّاجٌ، قالَ: أخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ، عَنْ أبِيهِ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أقْطَعَهُ أرْضًا، قالَ: فَأرْسَلَ مَعِي مُعاوِيَةَ أنْ أعْطِها إيّاهُ – أوْ قالَ: أعْلِمْها إيّاهُ – «قالَ: فَقالَ لِي مُعاوِيَةُ: أرْدِفْنِي خَلْفَكَ، فَقُلْتُ: لا تَكُونُ مِن أرْدافِ المُلُوكِ، قالَ: فَقالَ: أعْطِنِي نَعْلَكَ، فَقُلْتُ: انْتَعِلْ ظِلَّ النّاقَةِ، قالَ: فَلَمّا اسْتُخْلِفَ مُعاوِيَةُ أتَيْتُهُ، فَأقْعَدَنِي مَعَهُ عَلى السَّرِيرِ، فَذَكَّرَنِي الحَدِيثَ فَقالَ سِماكٌ فَقالَ: «ودِدْتُ أنِّي كُنْتُ حَمَلْتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ» (حم) ٢٧٢٣٩

(حب) ٧٢٠٥ [قال الألباني]: صحيح -»الترمذي” (١٦٤١).

(المسألة الثانية): إحياء الموات، إقطاع موات لمن يحييه

أولا:

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:

((سؤال: ما هي الأشياء التي الإنسان أحق بها ولا يملكها، ولا ينقل الملك فيها لغيره؟

الجواب: يدخل في هذا أشياء كثيرة:

منها: السبق إلى الأوقاف من بيوت ودكاكين وجلوس بمساجد وطرق، فالسابق أحق من غيره، وهو غير مالك لذلك.

ومنها: المتحجر للموات، وهو الشارع بإحياء قبل تمام الإحياء، مثل: ممن يحفر بئرًا لم يصل ماؤها أو يدير حول الأرض أحجارًا أو حائطًا غير منيع فهو أحق بذلك، لكنه إلى الآن لم يملكه فلا يتصرف فيه ببيع ونحوه، فإن وجد متشوف للإحياء فيأمره ولي الأمر، إما أن يحيي أو يرفع يده ويجعله له مدة بحسب الحال.

ومنها: المعادن إذا ظهرت بملكه صار أحق بها، وهو لا يملكها بذلك، ولا يمنع منها من لا يضره.

ومنها: مرافق الطرق وأفنية الدور، ومصالح البلد أهلها أحق بها، وهم لا يملكونها بتلك الأحقية، ويعبر عن هذه الأشياء بالاختصاصات.

ومنها: من أقطعه الإمام أرضًا ليحييها فهو أحق بها لإقطاعه، ولم يملكها إلا بوجود حقيقة الإحياء)). [الإرشاد ص520].

وقال في ((المغني)):

((فصل:

وما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه، سواء كان واسعًا أو ضيقًا، وسواء ضيق على الناس أو لم يضيق؛ لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فأشبه مساجدهم،

ويجوز الارتفاق بالعقود في الواسع من ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة؛ لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار؛ ولأنه ارتفاق مباح من غير إضرار، فلم يمنع منه كالاجتياز، قال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غُدْوَةً: فهو له إلى الليل، وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مِنىً مناخ من سبق))[أخرجه أبو داود (2019)، والترمذي (881)، وابن ماجه (3006 – 3007)، وأحمد 6/ 206 من طريق اسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه مُسَيكة، عن عائشة رضي الله عنها، به. قال الترمذي: حديث حسن]،

وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وتابوت وكساء ونحوه؛ لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه، وليس له البناء لا دكة ولا غيرها؛ لأنه يضيق على الناس ويعثر به المارة بالليل، والضرير في الليل والنهار ويبقى على الدوام، فربما ادعى ملكه بسبب ذلك، والسابق أحق به ما دام فيه، فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته؛ لأن يد الأول عليه، وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه؛ لأن يده قد زالت، وإن قعد وأطال منع من ذلك؛ لأنه يصير كالمتملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه، ويحتمل ألاّ يُزال؛ لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، وإن استبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما، واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما، وإن كان الجالس يضيق على المارة لم يَحِلَّ له الجلوس فيه، ولا يحل للإمام تمكينه بعوض ولا غيره.

قال أحمد: ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق، قال القاضي: هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة؛ لما تقدم ذكرنا له.

ثانيًا:

إقطاع الإمام الأراضي:

الإقطاع: تعيين قطعة من الأرض لغيره، يقال: أقطع الإمام إقطاعًا: جعلها للمقطع، وهو مأخوذ من القطع كأنه يقطع له قطعة من الأرض، وهو إعطاء أرضٍ مواتٍ لن يكون أهلًا لإحيائها.

وسيأتي تعريف الموات وأنها الأرض المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك معصوم، وللإمام أن يقطع من رعيته، ما شاء من الموات لمن يحييه أي لمصلحة إحيائه.

ثانيًا:

حل الإقطاع ودليله:

يجوز للإمام أن يقطع أرضًا مواتا لمن يحييها إذا كان في ذلك مصلحة ولا يترتب عليه مضرة، ودليله السنة ما ثبت في الصحيحين: (أن النبي – ﷺ -؟أقطع الزبير بن العوام نخلًا)،

ومنها: عن عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن عوف قال: «أقطعني رسولُ الله – ﷺ – وعمرَ بنَ الخطابِ أرضَ كذا وكذا» رواه أحمد.

قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم إلا أن في سماع عروة من عبد الرحمن بن عوف وقفة.

قال أبو يوسف رحمه الله: «فقد جاءت الآثار بأن النبي – ﷺ – أقطع أقوامًا وأن الخلفاء من بعده أقطعوا.

وهذا مصلحة للمسلمين في عمارة الأرض وتقوية المسلمين».

لكن لا يملكه بالإقطاع بل يملكه بالإحياء، فإذا أقطعه أرضًا للسكن أو للزراعة، أو للغراس، فلا يملكها إلا بالبناء إن كانت للسكن أو بالزراعة إن كانت للزراعة أو بالغراس إن كانت للغراس، فهو أحق بها لكن لا يملكها إلا بإحيائها.

ثانيًا: أنواع الإقطاع:

الإقطاع ثلاثة أنواع:

١ – إقطاع قصد به تمليك المقطَع لما أُقْطِعَ، وفي المذهب الحنبلي أن المقطع لا يملك الموات بالإقطاع وإنما يصير كالمتحجر، فإن أحياه ملكه،

وإن لم يُحْيهِ ضرب له الإمام مدة: إن أحياه فيها، وإلا استرجعه.

ولا ينبغي للإمام أن يقطع إلا ما قدر المقطع على إحيائه؛ لأن في إقطاعه أكثرَ من ذلك تضييقًا على الناس في حق مشترك بينهم، وقد استرجع عمر في خلافته من بلال بن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه النبي – ﷺ -.

قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم: لا يقطع كل فرد إلا الشيء الذي يقدر على إحيائه؛ لأن في إقطاعه أكثرَ من ذلك تضييقًا على الناس في حق مشترك بينهم.

وقال في شرح الإقناع: ولا يجوز للإمام إقطاعُ ما لا يجوز إحياؤه مما قرب من العامر وتعلق بمصالحه؛ لأنه في حكم المملوك لأهل العامر. وقالت الهيئة القضائية في الديار السعودية: إقطاع الأرض الموات لا يسري على أملاك الآخرين ومرافق البلد ومصالحها وما تحتاج إليه.

٢ – إقطاع استغلال: بأن يُقْطِعَ الإمام من يرى مصلحةً في إقطاعه؛ لينتفع بالشيء الذي أقطعه، فإذا انتفت المصلحة فللإمام استرجاعه.

٣ – إقطاع إرفاق: بأن يقطع الإمام أو نائبه الباعةَ الجلوسَ في الميادين والأسواق ونحوها. [توضيح الأحكام (٥/ ٩٢)].

فهو على ضربين إذا:

أحدهما: إقطاع إرفاق، وذلك إقطاع مقاعد السوق والطرق الواسعة ورحاب المساجد التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس [فيها]، فللإمام إقطاعها لمن يجلس فيها؛ لأن له في ذلك اجتهادًا من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يَضُرُّ بالمارة فكان للإمام أن يُجلسَ فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه ولا يملكها المُقْطَعُ بذلك، بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواءً إلا في شيء واحد، وهو أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها؛ لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه؛ لزوال المعنى الذي استحق به، وهذا استحق بإقطاع الإمام، فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا يضره الجلوس فيه، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بناء ومنعه من البناء، ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما أسلفناه.

الثاني: إقطاع موات من الأرض لمن يحييها فيجوز ذلك؛ لما روى وائل بن حُجْر [رضي الله عنه]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضًا، فأرسل معاوية: أن أعطه إياه أو أعلمه إياه، حديث صحيح، وأقطع الزبير حُضَر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه، فقال: ((أعطوه من حيث وقع السوط))، رواه سعيد وأبو داود …

إلى أن قال: إذا ثبت هذا، فإن من أقطعه الإمام شيئًا من الموات لم يملكه بذلك، لكن يصير أحق به، كالمتحجر الشارع في الإحياء؛ بدليل ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث، حيث استرجع منه عمر ما عجز عن إحيائه من العقيق الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ملكه لم يجز استرجاعه.

ورد عمر أيضًا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حِصْنٍ، فسأل عيينة أبا بكر أن يُجَدِّدَ له كتابًا، فقال: والله لا أجدد شيئًا ردّه عمر، رواه أبو عبيد. [7الأموال (688)].

لكن المُقْطَعَ يصير أحق به من سائر الناس وأولى بإحيائه، فإن أحياه وإلا قال له السلطان: إن أحييته وإلا فارفع يدك عنه، كما قال عمر لبلال بن الحارث المزني: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقْطِعْكَ لتحجبه دون الناس، وإنما أقْطَعَكَ لتعمر، فخذ منها ما قدرت على عمارته ورُدَّ الباقي، وإن طلب المهلة لعذر أُمْهِل بقدر ذلك، وإن طلبها لغير عذر لم يمهل على ما ذكرنا في المتحجِّر، وإن سبق غيره فأحياه قبل أن يقال له شيء أو في مدة المهلة، فهل يملكه؟ على وجهين.

[الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 16/ 123- 125، وشرح منتهى الإرادات 4/ 270، وكشاف القناع 9/ 454- 455].[المغني 8/ 161- 164]

وقال الشوكاني: ((باب الإحياء والإقطاع، من سبق إلى إحياء أرض لم يَسْبِق إليها غيره فهو أحق بها وتكون ملكًا له، ويجوز للإمام أن يُقْطِعَ من في إقطاعه مصلحة شيئًا من الأرض الميتة أو المعادن أو المياه)). [ الدراري المضية شرح الدرر البهية 2/ 280].[ انظر: المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع، للشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك]

ثالثًا: من مصطلحات الباب

لغة: الموات: فتح الميم والواو: هو ما لا روح فيه، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها.

وقيل: الأرض التي لا مالك لها ولا ماء فيها، ولا عمارة ولا ينتفع بها.

وقيل: هي الأرض الخراب الدارسة.

واشتقاق الموات من الموت، وهو عدم الحياة، شبه تعطيلها بالموت وعمارتها بالحياة.

أما اصطلاحا:

قال (زاد المستقنع) رحمه الله تعالى: «وهي الأرض المنفكة عن الاختصاص وملك معصوم».

فيخرج بهذا التعريف شيئان:

الأول: ما جرى عليه ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها.

والثاني: ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم؛ كالطريق والأفنية ومسيل المياه، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء.

فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه، وأحياها شخص؛ ملكها؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعا: ((من أحيا أرضا ميتة؛ فهي له))، رواه أحمد والترمذي وصححه، وورد بمعناه أحاديث، وبعضها في “صحيح البخاري”.

وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه؛ إلا موات الحرم وعرفات؛ فلا يملك بالإحياء؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك، واستيلائه على محل الناس فيه سواء.

رابًعا:

ويحصل إحياء الموات بأمور:

الأول: إذا أحاط بحائط منيع مما جرت العادة به؛ فقد أحياه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحاط حائطا على أرض؛ فهي له))، رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه ابن الجارود، وعن سمرة مثله، وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا، أما لو أدار حول الموت أحجارًا ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقا؛ فإنه لا يملكه بذلك، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه.

الثاني: إذا حفر في الأرض الموات بئرًا فوصل إلى مائها؛ فقد أحياها؛ فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء؛ لم يملكها بذلك، وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره؛ لأنه شرع في إحيائها.

الثالث: إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر؛ فقد أحياها بذلك؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط.

الرابع: إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك؛ فقد أحياها؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها.

ومن العلماء من يرى إن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور، بل يرجع فيه إلى العرف؛ فما عده الناس إحياء؛ فإنه يملك به الأرض الموات، واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه، فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف.

ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق، وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت، وأقطع عمر وعثمان وجمعا من الصحابة، لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه، بل يكون أحق به من غيره، فإن أحياه؛ ملكه، وإن عجز عن إحيائه؛ فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها.

ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات؛ كالصيد، والحطب؛ فهو أحق به[إذا حازه].

وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح “أي: غير مملوك” كماء النهر وماء الوادي؛ فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله للأسفل ممن يليه، ويفعل الذي يليه كذلك ثم يرسله لمن بعده.. وهكذا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا زُبَيْرُ اسقِ! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر))، متفق عليه.

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري؛ قال: نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر))؛ فكان ذلك إلى الكعبين؛ أي: قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين، فجعلوا ذلك معيارًا لاستحقاق الأول فالأول.

وروى أبو داود وغيره عن عمر بن شعيب؛ أنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور “واد بالمدينة مشهور”: “أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل”.

أما إن كان الماء مملوكا؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم، ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء.

ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين؛ كخيل الجهاد، وإبل الصدقة؛ ما لم يضرهم بالتضييق عليهم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: “أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين”؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين ونعم الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين.[باب في أحكام أحياء الموات، كتاب إحياء الموات وتملّك المباحات، كتاب الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان، وانظر: الفقه الميسر].

: مسألة: هل يجوز لمن أُقطع أن يتنازل عن إقطاعه بعوض؟

الجواب: في هذا خلاف، فمن العلماء من قال: لا يجوز لاحتمال ألا يحصل للثاني؛ لأن الثاني إذا لم يحيه قيل له: ارفع يدك.

وقال بعض أهل العلم: بل يجوز ذلك؛ لأن هذا الذي أُقطع تنازل عن حقه بعوض، والأصل في العقود الحل والإباحة وليس في ذلك محظور؛ لأنه إذا تنازل عنه نزل الثاني منزلة الأول، وهذا لا مانع منه، وهذا القول هو الصحيح.[كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع

لابن عثيمين رحمه الله].