1349(مكرر)  تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ ( من المجلد الثاني)

1349(مكرر)  تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ ( من المجلد الثاني)

بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي

بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة ،والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم

( من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا )

( جمع وتأليف سيف بن دورة الكعبي )

وشارك ناصر الكعبي وسيف بن غدير وأحمد بن علي وعبدالحميد

————-

1349 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم(  ما أخشى عليكم الفقر،  ولكن أخشى عليكم التكاثر،  وما أخشى عليكم الخطأ،  ولكن أخشى عليكم العمد )

—————-

مشاركة ناصر الكعبي :

أورده الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 2216 ؛ وقال:

ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ (2479) ﻭاﻟﺤﺎﻛﻢ (2 / 534) ﻭﺃﺣﻤﺪ (2 / 308 ﻭ 539) ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺑﺮﻗﺎﻥ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ اﻷﺻﻢ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ، ﻭﻗﺎﻝ

اﻟﺤﺎﻛﻢ: ” ﺻﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻁ ﻣﺴﻠﻢ “، ﻭﻭاﻓﻘﻪ اﻟﺬﻫﺒﻲ، ﻭﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻻ.

ﻭﻗﺎﻝاﻟﻬﻴﺜﻤﻲ ﻓﻲ ” اﻟﻤﺠﻤﻊ ” (10 / 236) : ” ﺭﻭاﻩ ﺃﺣﻤﺪ، ﻭﺭﺟﺎﻟﻪ ﺭﺟﺎﻝ اﻟﺼﺤﻴﺢ “. انتهى

وفي العلل لابن أبي حاتم قال:

1898 – ﻭﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﻲ ﻋﻦ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻳﺮﻭﻳﻪ ﺃﺑﻮ ﻧﻌﻴﻢ ، ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺑﺮﻗﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ اﻷﺻﻢ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ: ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﺬﻧﺒﻮﻥ ﻓﺘﺴﺘﻐﻔﺮﻭﻥ

ﻓﻴﻐﻔﺮ ﻟﻜﻢ، ﻷﺗﻰ اﻟﻠﻪ ﺑﻘﻮﻡ … ، ﻓﺬﻛﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻮﻗﻮفا  .

ﻭﺑﻬﺬا اﻹﺳﻨﺎﺩ ﻗﺎﻝ: ﻭاﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻔﻘﺮ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ.

ﻭﺑﻬﺬا اﻹﺳﻨﺎﺩ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻣﻮﻗﻮﻑ  : ﻟﻴﺲ اﻟﻐﻨﻰ ﻋﻦ ﻛﺜﺮﺓ اﻟﻌﺮﺽ … ، اﻟﺤﺪﻳﺚ .

ﻗﻠﺖ ﻷﺑﻲ: ﺃﻟﻴﺲ اﻟﺠﺰﺭﻳﻮﻥ ﻳﺴﻨﺪﻭﻥ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ؟

ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ.

ﻗﻠﺖ: ﻓﺄﻳﻬﻤﺎ ﺃﺻﺢ؟

ﻗﺎﻝ: ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﻧﻌﻴﻢ. انتهى

قلت( سيف بن دورة الكعبي ): يعني يرجح الموقوف.

تنبيه: حديث (ﻟﻴﺲ اﻟﻐﻨﻰ ﻋﻦ ﻛﺜﺮﺓ اﻟﻌﺮﺽ ولكن الغنى غنى النفس ) أخرجه البخاري

٦٤٤٦ – حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا أبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنا أبُو حَصِينٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَيْسَ الغِنى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفْسِ»

وأخرجه مسلم

١٢٠ – (١٠٥١) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وابْنُ نُمَيْرٍ قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا به

فربما يقصد أبوحاتم في ترجيحه الموقوف بالنسبة لهذا المتن تعليل الإسناد فقط .

شرح الحديث:

قال في فيض القدير 8/7861:

(ﻣﺎ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻔﻘﺮ) اﻟﺬﻱ ﺑﺨﻮﻓﻪ ﺗﻘﺎﻃﻊ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺪاﺑﺮﻭا ﻭﺣﺮﺻﻮا ﻭاﺩﺧﺮﻭا (ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ) ﻳﻌﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﺧﻮﻓﻲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﺧﻮﻓﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻄﻠﻮﺑﻜﻢ.

ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺳﺒﺐ ﺧﺸﻴﺘﻪ؛ ﻋﻠﻤﻪ ﺃﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺘﻔﺘﺢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﻐﻨﻰ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ ﻧﺒﻮﺗﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻦ ﻏﻴﺐ ﻭﻗﻊ.

ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻄﻴﺒﻲ: اﻋﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻛﺎﻷﺏ؛ ﻟﻜﻦ ﺣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺃﻣﺮ اﻟﻤﺎﻝ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺣﺎﻝ اﻟﻮاﻟﺪ، ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻔﻘﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺎﻓﻪ اﻟﻮاﻟﺪ، ﺑﻞ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻄﻠﻮﺏ اﻟﻮاﻟﺪ ﻟﻮﻟﺪﻩ.

ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺃﺷﺎﺭ ﺑﻬﺬا ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﻀﺮﺓ اﻟﻔﻘﺮ ﺩﻭﻥ ﻣﻀﺮﺓ اﻟﻐﻨﻰ؛ ﻷﻥ ﺿﺮﺭ اﻟﻔﻘﺮ ﺩﻧﻴﻮﻱ ﻭﺿﺮﺭ اﻟﻐﻨﻰ ﺩﻳﻨﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎ.

ﻭاﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﺮ: ﺇﻣﺎ ﻟﻠﻌﻬﺪ ﻭﻫﻮ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ اﻟﺼﺤﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻹﻋﺪاﻡ ﻭاﻟﻘﻠﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ، ﻭﺇﻣﺎ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﻭﻫﻮ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ…

ﻓﻴﻪ ﺣﺠﺔ ﻟﻤﻦ ﻓﻀﻞ اﻟﻔﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻨﻰ.

ﻗﺎﻟﻮا: ﻗﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭهم ﺁﻳﺔ اﻟﺸﺎﻛﺮﻳﻦ ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﻐﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ. انتهى

وفي الحديث فوائد :

1/ شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وأمته من بعدهم.

2/نصيحته لهم وحرصه على الخير لهم.

3/التحذير من التكاثر في أمر الدنيا.

4/فيه معنى قول الله عز وجل: {ألهاكم التكاثر…}، وتفسيرها..

5/في الحديث أن الابتلاء بالفقر  أهون من الابتلاء بالغنى.

6/فيه أن تعمد المعصية مما يحذر منه؛ بخلاف الخطأ

قلت( سيف ) : وفي التعليق على حديث رقم 1341ذكر صاحبنا عبدالله المشجري آثار المعاصي.

——

مشاركة سيف بن غدير النعيمي :

والتكاثر في اللغة: مصدر قولهم تكاثر فلان وفلان، أي: قال كل منهما أنا أكثر منك في كذا وكذا، أو طلب كل منهما أن يكون أكثر من الآخر.

وقال الراغب في غريب مفردات القرآن: التكاثر التبارى في كثرة المال والعز .

وقال ابن القيم في الفوائد:

والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم، إلا فيما يقرب إلى الله، فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها.

قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره :

{ بسم الله الرحمن الرحيم ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر.. }

يقول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء:

{ ألهاكم } عن ذلك المذكور.

{ التكاثر } ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى.

———

مشاركة احمد بن علي:

سأل بعض لجان الفتوى عن شرح حديث (..ولكن أخشى عليكم التكاثر..).

فقالوا :يبينه حديث  أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ. رواه أحمد والطبراني. وقال الهيثمى في المجمع: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني.

التكاثر هو انشغال القلب بالزائد عن حد الاعتدال بالدنيا وركونه إليها وغفلته عن الغاية التي خلقه الله من أجلها وهي عبادته وحده لا شريك له، وأن المال والأولاد وكل ما هو من زينة الدنيا إنما هو وسيلة لهذه الغاية الشريفة.

فعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ : أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ . رواه مسلم.

ولا يفهم من النهي عن التكاثر أن هذه دعوة لترك التكسب وإصلاح الإنسان لدنياه وذم الدنيا على كل حال، ولكن الأمر كما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: الذم إنما هو لأفعال الجاهل، أو العاصي في الدنيا، فإنه إذا اقتنى المال المباح، و أدى زكاته، لم يُلَمْ .

بل ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان والتعفف عن وجوه الناس، هو أفضل من التفرغ للعبادة من الصلاة والصوم والحج ؛، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس، ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من التفرغ للعبادة ؛ لأن منفعة ذلك أعم. انتهى.

قال الألباني في بعض دروسه:

فيخشى الرسول صلوات الله وسلامه عليه على أصحابه أصلاً، وعلى من يأتون من بعدهم تبعاً، يخشى عليهم التكاثر في الأموال، ولا يخشى عليهم الفقر؛ لأن الله تبارك وتعالى قد أخبر نبيه عليه الصلاة والسلام بكثير من المغيبات، ومنها: أن الله عز وجل سيفتح له كسرى وقيصر، وقد تحقق ذلك كما هو معروف في الأحاديث الصحيحة وأخبار السيرة.

ولذلك قال لهم: ( ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم التكاثر ) كأنه يقول لهم: لا تكونوا من عامة الناس، الذين يلهيهم التكاثر حتى يزوروا المقابر -حتى يموتوا- فلا ينفعهم إن ماتوا مالهم، كما مر معنا في أحاديث كثيرة: إن المسلم أو المرء إذا مات يتبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى معه عمله….

وقد سبق أن ذكرنا أن المال فتنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ) فهذا الشطر الأول من الحديث، وهو كما قلنا مشتق من هذه الآية الكريمة: { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ } [التكاثر:1] .

الشطر الثاني وهو قوله عليه السلام: ( وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم التعمد ) هذا أيضاً مقتبس من القرآن الكريم، في غير ما آية في القرآن، من ذلك قوله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [الأحزاب:5] فهذا نص القرآن اقتبس منه هذا الحديث، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم التعمد ) وهذا من لطف الله عز وجل ويسره بعباده، كما قال عز وجل: { يُرِيدُ اللَّهُ بكم الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة:185]؛

قال ابن بطال في شرح البخاري:

وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخاف عليكم أن تفتح الدنيا عليكم . . ) الحديث . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) يستعيذ من فتنة الفقر ، وفتنة الغنى ،  هذا كله أن ما فوق الكفاف محنة ، لا يسلم منها إلا من عصمه الله ، وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما قلَّ وكفى خير مما كثر وألهى ) . وقال عمر بن الخطاب لما أوتى بأموال كسرى : ( ما فتح الله هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم . وقال : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا ، اللهم إنك منعت هذا رسولك إكراما منك له ، وفتحته علي لتبتلينى به ، اللهم سلطنى على هلكته فى الحق واعصمنى من فتنته ) . فهذا كله يدل على فضل الكفاف ، لا فضل الفقر كما خيل لهم ، بل الفقر والغنى بليتان كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يستعيذ من فتنتهما ، ويدل على هذا قوله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ الإسراء : 29 ] ، وقال : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) [ الفرقان : 67 ] ، وقال : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما ) [ النساء : 5 ] ، وقال فى ولي اليتيم : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ النساء : 6 ] ، وقال : ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ) [ النساء : 9 ] ، وقال ( صلى الله عليه وسلم ) لأبى لبابة : ( أمسك عليك بعض مالك ) . وقال لسعد : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) . وهذا من الغنى الذى لا يطغى ، ولو كان كل ما زاد كان أفضل لنهاه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يوصى بشىء ، واقتصرت أيدي الناس عن الصدقات وعن الإنفاق فى سبيل الله ، وقال لعمرو بن العاص : ( هل لك أن أبعثك فى جيش يسلمك الله ويغنمك ، وأرغب لك رغبة من المال ؟ فقال : ما للمال كانت هجرتى ، إنما كانت لله ولرسوله . فقال : نعم المال الصالح للرجل الصالح ) . ولم يكن ( صلى الله عليه وسلم ) ليحض أحدا على ما ينقص حظه عند الله ، فلا يجوز أن يقال إن إحدى هاتين الخصلتين أفضل من الأخرى ؛ لأنهما محنتان ، وكأن قائل هذا يقول : إن ذهاب يد الإنسان أفضل عند الله من ذهاب رجله ، وإن ذهاب سمعه أفضل من ذهاب بصره ؛ فليس هاهنا موضع للفضل ، وإنما هى محن يبلو الله بها عباده ؛ ليعلم الصابرين والشاكرين من غيرهما ، ولم يأت فى الحديث ، فيما علمنا ، أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو على نفسه بالفقر ، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير ، بل كان يدعو بالكفاف ويستعيذ بالله من شر فتنة الفقر وفتنة الغنى ، ولم يكن يدعو بالغنى إلا بشريطة يذكرها فى دعائه . فأما ما روى عنه أنه كان يقول : ( اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا ، واحشرنى فى زمرة المساكين ) . فإن ثبت فى النقل فمعناه ألا يجاوز به الكفاف ، أو يريد به الاستكانة إلى الله ، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ترك أموال بنى النضير وسهمه من فدك وخيبر ، فغير جائز أن يظن به أن يدعو إلى الله ألا يكون بيده شىء ، وهو يقدر على إزالته من يده بإنفاقه . وما روى عنه أنه قال : ( اللهم من آمن بى وصدق ما جئت به ، فأقلل له من المال والولد ) . فلا يصح فى النقل ولا فى الاعتبار ، ولو كان إنما دعا بذلك فى المال وحده لكان محتملا أن يدعو لهم بالكفاف ، وأما دعاؤه بقلة الولد فكيف يدعو أن يقل المسلمون ، وما يدفعه العيان مدفوع عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأحاديثه لا تتناقض . كيف يذم معاوية ، ويأمر أبا لبابة وسعدا أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول : إنه خير ، ثم يخالف ذلك ، وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال : ( اللهم أكثر ماله وولده ، وبارك له فيما أعطيته ) . قال أنس : فلقد أحصت ابنتى أنى قدمت من ولد صلبى مقدم الحجاج البصرة مائة وبضعة وعشرين نسمة بدعوة رسول الله ، وعاش بعد ذلك سنين وولد له ) . فلم يدع له بكثرة المال إلا وقد أتبع ذلك بقوله : ( وبارك له فيما أعطيته )

تتمة كلام ابن بطال فإنه مفيد:

فإن قيل : فأى الرجلين أفضل : المبتلى بالفقر ، أو المبتلى بالغنى إذا صلحت حال كل واحد منهما ؟ قيل : السؤال عن هذا لا يستقيم ؛ إذ قد يكون لهذا أعمال سوى تلك المحنة يفضل بها صاحبه والآخر كذلك ، وقد يكون هذا الذى صلح حاله على الفقر لا يصلح حاله على الغنى ، ويصلح حال الآخر على الفقر والغنى . فإن قيل : فإن كان كل واحد منهما يصلح حاله فى الأمرين ، وهما فى غير ذلك من الأعمال متساويان قد أدى الفقير ما يجب عليه فى فقره من الصبر والعفاف والرضا ، وأدى الغنى ما يجب عليه من الإنفاق والبذل والشكر والتواضع ، فأى الرجلين أفضل ؟ قيل : علم هذا عند الله .

لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى كلام جميل أورده للفائدة:

قد كثر تنازع الناس : أيهما أفضل ” الفقير الصابر أو الغني الشاكر ” ؟… وفي المسألة ” قول ثالث ” وهو الصواب أنه ليس هذا أفضل من هذا مطلقا ولا هذا أفضل من هذا مطلقا بل أفضلهما أتقاهما . كما قال تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقال عمر بن الخطاب : الغنى والفقر مطيتان لا أبالي أيتهما ركبت . وقد قال تعالى : { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما }  لا يجوز إطلاق القول بتفضيله على الآخر ؛ بل قد يكون هذا أفضل في حال ؛ وهذا في حال وقد يستويان في حال كما في الحديث المرفوع في ( شرح السنة للبغوي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى : { وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ؛ ولو أفقرته لأفسده ذلك ؛ وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر عبادي ؛ إني بهم خبير بصير } . وفي هذا المعنى ما يروى : { إن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا ؛ كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب } . ويروى في مناجاة موسى نحو هذا . ذكره أحمد في الزهد . فهذا فيمن يضره الغنى ويصلحه الفقر كما في الحديث الآخر { نعم المال الصالح للرجل الصالح } . وكما أن الأقوال في المسألة ” ثلاثة ” فالناس ” ثلاثة أصناف ” : غني وهو من ملك ما يفضل عن حاجته . وفقير ؛ وهو من لا يقدر على تمام كفايته . وقسم ثالث : وهو من يملك وفق كفايته ؛ ولهذا كان في أكابر الأنبياء والمرسلين والسابقين الأولين من كان غنيا : . وفيهم من كان فقيرا : كالمسيح عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا  وقد كان فيهم من اجتمع له الأمران : الغنى تارة والفقر أخرى ؛ وأتى بإحسان الأغنياء وبصبر الفقراء : كنبينا صلى الله عليه وسلم . وأبي بكر وعمر . والنصوص الواردة في الكتاب والسنة حاكمة بالقسط ؛ فإن الله في القرآن لم يفضل أحدا بفقر ولا غنى كما لم يفضل أحدا بصحة ولا مرض . ولا إقامة ولا سفر ولا إمارة ولا ائتمار ولا إمامة ولا ائتمام ؛ بل قال : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وفضلهم بالأعمال الصالحة : من الإيمان ودعائمه وشعبه كاليقين والمعرفة ومحبة الله والإنابة إليه والتوكل عليه ورجائه وخشيته وشكره والصبر له .

راجع الفرقانُ بينَ أولياءِ الرَّحمَنِ وأولياءِ الشَّيْطانِ

———–

مشاركة عبدالحميد البلوشي :

أحاديث في الزهد في الدنيا وبعض معانيها :

الإنسان له خصلتان من خصاله تبقيان قويتين شابتين، حب المال، والحرص على الحياة، . إنما أموالكم وأولادكم فتنة [التغابن: 15].

وفي حديث عند البخاري: “لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين حب المال وطول العمر”. وفي رواية له “حب الدنيا وطول الأمل”. والمراد من “طول الأمل” محبة طول العمر، ومحبة طول الحياة، ومحبة العيش.

حبه له، ورغبته في دوامه.

( ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)

قال الطيبي: وقع قوله: “ولا يملأ”…إلخ موقع التذييل والتقرير للكلام السابق، كأنه قيل: ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب، ويحتمل أن يكون ذكر التراب دون غيره لما أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صب عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره. اهـ.

وورد في الحديث (ليس الغنى عن كثرة العرض) بفتح العين والراء، و”عن” سببية، والعرض ما ينتفع به من متاع الدنيا. وقال أبو عبيد: العروض الأمتعة،

وفي الحديث (ولكن الغنى غنى النفس)  قال ابن بطال: معنى الحديث: ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به، ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غني. اهـ

وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع، فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس، لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأموال، وخسائس الأفعال، لدناءة همته وبخله، ولكثرة من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل.

انتهى من فتح الباري للحافظ ابن حجر مختصرا

قال الحافظ ابن حجر: في الحديث الذي عند البخاري : “إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض”. قيل: وما بركات الأرض؟ قال: “زهرة الدنيا”. وزاد في رواية: “وزينتها”. وزهرة الدنيا زينتها وبهجتها، مأخوذة من زهر الشجر، والمراد ما فيها من أنواع المتاع والذهب والفضة والمساكن والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء.

قوله (إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم….) “الحبط” بفتح الحاء والباء التخمة، أي انتفاخ البطن من كثرة الأكل، يقال: حبطت الدابة إذا أصابت مرعى طيباً، فأسرفت في الأكل، حتى تنتفخ فتموت، وقوله “أو يلم” معناه: أو يقرب من القتل حبطاً، و”الربيع” الجدول.

قوله (ومن يستعفف يعفه الله….) أي من يطلب العفة ويحاولها يعفه الله ويوفقه، ومن يحاول الغنى عما في أيدي الناس يوفقه الله ويغنيه، ومن يحبس آلامه ويدافع عن نفسه الجزع يمنحه الله الصبر والرضا.

قوله (وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم “خير” مرفوع، وهو صحيح، وتقديره: هو خير، كما وقع في رواية البخاري. اهـ.

قوله (ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه) الكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان. وقال القرطبي: هو ما يكف عن الحاجات، ويدفع الضرورات ولا يلحق بأهل الترفيهات.

قوله (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) قال النووي: قال أهل اللغة: القوت ما يسد الرمق.

فقه الحديث

ذكر الإمام مسلم أحاديث التحذير من الاغترار بالدنيا في كتاب الزكاة، باعتبار هذا التحذير دافعاً إلى إخراج الزكاة، وإعطاء حقوق المال، والعطف به على الفقراء والمساكين، وذكر الإمام البخاري هذه الأحاديث ونحوها في كتاب الرقاق، باعتبارها باعثاً على رقة القلب والعطف.

ويؤخذ من الأحاديث:

– من الأحاديث ذم الحرص على الدنيا، والرغبة فيها… لأن لازم الحرص والشره الغفلة عن القيام بأمور الآخرة.

– ومن  فضيلة القناعة والرضا، وإن قل المال.

– وأن الرزق ولو كثر فهو من جملة الخير، وإنما يعرض له الشر بعارض.

– والحث على أخذ المال بحقه، وإنفاقه في حقه.

–  الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا.

وهناك فوائد أخرى ارجأناها عند شرح هذه الأحاديث إن شاء الله